مدونة الاحرار : عمان- «القدس العربي»: حتى عند الاحتجاج على بعض التشريعات التي أقرت مؤخراً في الأردن، حذر نشطاء ومعارضون وحقوقيون علناً من سياق تشريعي له علاقة بضبط الإيقاع العام لأغراض أجندة سياسية.
ليس سراً أن تلك الأجندة المفترضة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وليس سراً أن “القدس العربي” سمعت حقوقياً من وزن عاصم العمري، يلفت النظر إلى أن العقل الجمعي للأردنيين لا يمكنه فهم الأسباب التي أوجبت مؤخراً بعض التشريعات المقيدة للحريات العامة، لافتاً إلى أنه من الطبيعي أن يذهب عقل الناس وهم يحاولون الفهم والإدراك إلى السيناريو الذي يخيف الشعب دوماً، وهو حل القضية الفلسطينية وتصفيتها على حساب الأردن والأردنيين.
قال شيئاً مماثلاً الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في البلاد الشيخ مراد العضايلة، في اجتماع حضرته “القدس العربي” أيضاً طلب فيه ضمناً بعدم توجيه اللوم للناس وهم لا يجدون تفسيراً لموجة الغلاظة التشريعية الخشنة التي توسعت مؤخراً.
رغم عدم وجود أدلة ولا قرائن تدعم السيناريو الذي يفترض بأن حزمة التشريعات الأخيرة خصوصاً في مجالات حريات التعبير هدفها الاحتياط والوقاية من حدث ما أو هندسة ما في الطريق، إلا أن سياسيين كباراً ومعتدلين مثل طاهر المصري والدكتور ممدوح العبادي، يتفهمون مخاوف الشارع والرأي العام تجاه أكثر الملفات حساسية لكل مكونات المجتمع الأردني.
لا روايات تشرح للمواطنين ولا قضايا توضع على طاولة النقاش العام بالتفصيل، ولا أحد يعلم ما الذي يجري خلف الستارة والكواليس، وحصراً بالملف الفلسطيني تحديداً، لأن لغة الثوابت الكلاسيكية تخف في الإعلام الرسمي، ولأن الحكومة الحالية عملياً آخر من يتحدث أو حتى يعلم.
ولمح لها المصري بوضوح عندما استغرب، بحضور “القدس العربي”، عدم وجود شروحات للرأي العام عما يجري خلف الستائر بخصوص القضية الأهم بالنسبة للشعب الأردني، وهي القضية الفلسطينية.
وتحدث العبادي بالقياس صراحة عن مقاربات في اللغة واللهجة تثير ارتياب الناس أحياناً، لكن وفي المقابل فالإحجام عن الإفصاح الشعبي أو الشعبوي يترك المساحة فارغة أمام ميكروفونات إما الرأي البديل أو السيناريو الخطير والمقلق أو الملحوظة المشككة. ما يزيد من تعقيدات المشهد أن الحوارات كانت صاخبة مع الأمريكيين والأوروبيين ثم المصريين والفلسطينيين، والإماراتيين مؤخراً. لكنها حوارات تنتهي بإفصاحات مقتضبة لا تقول للرأي العام سردية مفصلة عما يجري خلف الستائر والكواليس والأبواب المغلقة، الأمر الذي يسمح بصفة طبيعية وتلقائية بالاستمرار في غياب اليقين أو ببناء سيناريوهات قد تكون متخيلة عن ترتيبات هندسية ليست شعبية، قد تفرض على الشارع فرضاً لاحقاً وفي توقيت يعاني فيه الشارع نفسه من وضع معيشي واقتصادي صعب ومعقد وصراع أجندات في الإقليم.
لسبب أو لآخر، تغيب عن الإعلام الرسمي والجماهيري الأردني تلك الرواية التي كانت بالعادة تشرح على الأقل بعض ما يجري ولماذا يجري؟ ومع أن المقاربات حمالة أوجه، وثوابت الأردن المعلنة في القضية الفلسطينية، حتى في رأي الخبير الدكتور جواد العناني، من الطراز المستقل والصلب، إلا أن التشعبات والتساؤلات تطفو بين الحين والآخر على سطح الأحداث. ويحصل مثل ذلك الطفو على السطح كلما امتنعت الحكومة عن الشرح وكلما بدأ الشارع يطرح أسئلة يحاول عبرها فهم ما يجري، خصوصاً بعد هجمة التشريعات الخشنة مؤخراً، لأن الظروف المعيشية والاقتصادية والبيئة التي اعتاد عليها الأردنيون هي عناصر في المشهد كانت مشروحة ومفهومة أكثر، ولأن تلك التشريعات تقلص من هوامش تعبير الأردنيين التي اعتادوا عليها وتزيد مخاوف تضخيم الغرامات المالية عليهم في أكثر من اتجاه وبالتزامن دون شرح كاف أو مبرر أو مسوغ مقنع كما كان يحصل في الماضي. وعليه، يمكن الاستنتاج ببساطة سياسياً أن العقل والوجدان السياسي العام من الطبيعي أن يلجأ إلى تركيب صورة قد لا تكون حقيقية عن سبب تلك التعديلات التشريعية وتراجع الحريات العامة. وفي النتيجة، من الطبيعي أيضاً أن تنتهي عملية التقصي الشعبية هنا باستحضار تلك المخاوف المعلبة دوماً في ذهن الناس الجماعي والمرتبطة على نحو أو آخر، وحصراً، بالقضية الفلسطينية بعدما قدم اليمين الإسرائيلي باجتهاد ونشاط واضحين كل الخطوات الاستفزازية التي تزيد مخاوف الأردنيين على مشروعهم برمته، ابتداء من هويتهم الوطنية ومروراً بمؤسسات دولتهم مع كل ما يتطلبه المشهد من إضافات الفوبيا والمخاوف وسيناريوهات الحلول البديلة.
مع غياب الشروح والاندفاع التشريعي بدون مشاورات مسبقة، زادت جرعة ومعدلات ذلك الاستحضار الذي يخيف الرأي العام ويرهق الدولة، واللافت جداً للنظر أن نخبة السلطة قررت أن لا تنتبه أو على الأقل لا تبذل بعد الجهد الكافي للضرب على أوتار المخاوف والأوهام الاجتماعية، لأن أول ما يبرز في الذهن الجماعي للأردنيين عند بروز اتجاه رسمي لتبديل وتغيير ما اعتادوا عليه لعقود هو دوماً وحصراً تداعيات القضية الفلسطينية.
ليست هناك تعليقات: